الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

فلسفة التاريخ ( 5 )


                               هيجل والتفسير المثالي للتاريخ



في هذه الحلقة نستعرض تفسير هيجل للتاريخ , وهيجل هو فيلسوف  ألماني عايش احداث الثورة الفرنسية التي كانت ترفع شعارات الحرية والاخاء والمساواة كما عايش دخول نابليون الى ألمانيا

صراع الأفكار :

رؤية هيجل للتاريخ يحكمها قانون صراع الأفكار حيث يرى ان أي فكرية بشرية تحمل جوانب جيدة من ناحية ومن ناحية أخرى _نتيجة بشريتها _ تحمل نواقضها وهو ما نسميه نقيض الفكرة
ولذلك فالناس الناقضين للفكرة يستغلوا النقص الموجود في محاربتها الى أن ينتج نتيجة هذا الصراع فكرة أخرى تحمل هي كذلك نقيضها ويبدأ الصراع مرة أخرى وهكذا ..ويسمى تفسير هيجل بالمثالي وذلك لانه يرى ان الصراع في عالم الفكر ومن التغير الفكري ينطلق ويوجد العالم المادي
ومع استمرارية طرح الأفكار ونقائضها يتقدم العالم

مثال : في اليونان القديم ولدت فكرة الحرية المطلقة وكانت هذه الفكرة تحمل في داخلها نقيضها الا وهو الفوضى ومن ثم حدث صراع بين الفكرة نقيضها الى ان توصلوا لفكرة جديدة وهي الحرية المقيدة وهكذا نرى ان الصراع بين الافكار يؤدي الى تطور المجتمع

ما الذي يضمن لنا ان ما نأتي به من جديد لا يضم عيب القديم ؟

دائما ما يتخوف البشر من الجديد ,ويتخوف الانسان دائما ان الجديد قد يضم عيوب من القديم او ربما تفوق عيوب القديم
الاجابة عند هيل تتلخص في قوله (( ان أفكارنا انما هي اجتهاد بشري , وان كانت هذه الافكار مستمدة من الدين فهذا لا يعني انها لا يأتيها الباطل من بين يديها او خلفها .فهناك فارق بين الدين الذي يمثل الحقيقة المطلقة وبين ما يفهمه البشر ويتوصلون اليه من أفكار واستراتيجيات للعمل . اذا كل اجتهاد يقبل القبول والرفض والأخذ والرد )) , وهو يعني بهذا الكلام اننا نعترف كبشر بقصور افكارنا وان ضمان التطور والتقدم هو الايمان بهذا المبدأ ومن ثم الايمان بضرور استمرارية نقد الافكار الموجودة وتوليد افكار جديدة ..هذا هو ضمان التقدم وضمان ان الفكرة الجدية ستدفع للامام ولن تأخذنا للخلف .

ما أهم ما نستفيده من رؤية هيجل ؟

1- ان وجود تيارات مختلفة في الأراء والتوجهات بل ووجود تيارات تحمل افكار مناقضة لافكار بعض يمكن ان يكون من اسباب التقدم والنهضة اذا احسن استخدام هذا الاختلاف في الوصول لافكار جديدة

2- ان المبدعين اصحاب الافكار الجيدة هم صمام أمان المجتمع

3- يجب التنبه لاي فكرة نقيضة حتى وان كانت من اعدائك لان هذا قد يساعد اي امة او اي تيار من التطور والتقدم .

السبت، 22 سبتمبر 2012

الاسلام وتقديس الاشخاص



رأي | أهم القيم التي جاء الاسلام ليهدمها هي فكرة الكهنوت. الكهنوت بمعني وجود شخص وسيط بين الله وبين الناس. يستشعر معه الناس أن طريق الوصول الي الله يمر عبر توجيهاته وآرائه. جاء الاسلام ليرسخ قيمة الانسان ويزيل كل الافكار ويهدم كل المؤسسات التي تحتقر الانسان او تقلل من شأنه وتعتبر نفسها وصية عليه. يمكننا نري ذلك في شئ بسيط جداً لكنه ذو معني عميق جداً. كلنا يردد دائماً جملة الرسول وأصحابه. هل فكرت في هذه الكلمة من قبل، أصحابه، لم يصفهم بأتباعه او مريديه مثلاً. حتي سيدنا عيسي عليه السلام كان يصف من معه بأنه حوارييه. معني الحواري في اللغة العربية هو الصاحب القريب. هل يطلق لقب الصاحب على من يتبع الشيخ حالياً؟ لا بالطبع تخيل شيخ مشهور تعرفه، ماذا يقال على من يستمع اليه؟ أتباعه أو مريديه أو أنصاره. لا يقال أصحابه ابداً. أنا استشعر الرهبة التي تأتي في قلبك حينما يخطر لك اسم شيخ معين. ربما تقول وهل وصلت انا لعلمه حتي يطلق علي صاحب. سأقول لك هذا ما فعله الرسول محمد عليه الصلاة والسلام مع من معه والذي هو بالتأكيد أفضل وأعلم من اي شيخ آخر. يمكن أن تتخيل أن هذا اللفظ شئ بسيط، ولكنه في الحقيقة يعبر عن جوهر رؤية الشيوخ لمن يسمعونهم، بل ورؤية الناس لأنفسهم وطريقة نظرتهم للدين عموماً.
للتوضيح سأذكر مثال: غزوة بدر مع الرسول محمد، وبعد أن اختار الرسول مكان المعسكر وكانوا في انتظار العدو، جائه أحد أصحابه ( والتي لا تذكر كتب السيره اسمه، والذي يؤشر انه لم يكن من الصحابة المشهورين ) وقال له – بتصرف – هل هذا المكان أخبرك به الله أم هو رأيك الشخصي، فأجابه الرسول بأنه رأي، فقال الصحابي أن هذا المكان ليس هو الاختيار الأفضل، ثم أقترح مكاناً آخر. فناقش الرسول رأيه وأخذ به !
السؤال هنا هل هذه هي العلاقة بين الشيوخ وأتباعهم هذه الآيام؟ بالطبع لا. لا الشيخ – في الغالب – يري أن أتباعه ليس لديهم الأهلية أن يدلوا بآراء، ولا الأتباع لديهم الثقة ليدلوا بآراء على الشيخ. وبهذا تنشأ علاقة غير صحية على الطرفين وتنتج آراء ليست في صالح الآمة في الغالب.
ماأقوله هنا هو ليس عدم تقدير واحترام رجل الدين – هذا تعبير غير دقيق في الاسلام بالمناسبة – ولكن مع التقدير والاحترام تكون العلاقة علاقة صحية يدرك كل طرف فيها نقاط قوته وضعفه.

عبدالرحمن شلبي 

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

فلسفة التاريخ ( 4 )

في الحلقة السابقة استعرضنا فكر بن خلدون في تفسيره لنشئة الحضارات وسقوطها حيث انه يفسر الامر وفقا لما يسمى بقانون العصبية

أرنولد تويبني والحضارات :


في هذه الحلقة نستعرض فكر ارنولد تويبني وهو عالم انجليزي الف موسوعة ضخمة اسمها (( دراسة التاريخ )) استغرق في تأليفها حوالي 40 سنة وكان من أشد المعجبين بفكر بن خلدون غير انه وسع دائرة النظر للدول والحضارات ليخرج لنا بقانون يسمى (( التحدي والاستجابة ))

قانون التحدي والإستجابة :

ملخصها ان الانسان اثناءبنائه للحضارات يواجه مجموعة من التحديات فيتعامل معها ..
اما باستجابات ناجحة تؤدي الى التغلب عليها وتحقيق النهضة
وإما باستجابات فاشلة لا تؤدي الى النهضة والحضارة
وهذه التحديات تواجه الأمم جميعا بلا استثناء ويكمن الفرق فقط في نوع الإستجابة وهو الذي يؤدي الى وجود دول متقدمة واخرى متخلفة

أولا التحديات : 

يقول روبرت شولر ( ان الصراع هو مكان ولادة الإبداع الأعظم ) لذلك يجب النظر الى التحديات على انها سر نهضات الأمم

أنواع التحديات : 

1- تحد قاس : أكبر من قدرة المجتمع ولا يستطيع الإنسان التغلب عليه مثل شعب الاسكيمو وتحدي الثلوج المستمرة
2- تحد ضعيف : غير مستفز للانسان ليطور ذاته مثل نيوزيلندا حيث قلة السكان ووفرة الموارد فلم يتقدم سكان نيوزلندا الأصليين
3- تحد خلاق : يستفز طاقات الانسان ولكنه -اي الإنسان -قادر على تطوير آلياته للتغلب عليه

من الذي يقود مواجهة التحديات :

يرى ارنولد تويبني ان الافراد المبدعين والقادة الملهمين والفئة ذات الرؤية والتصور هم المعول عليهم في عملية مواجهة التحديات فاذا انقادت لهم الأغلبية سواء عن طريق المشاركة أو عن طريق التقليد قادوا هذه المجتمعات للتغلب على ما يواجهها من عقبات


ثانيا الإستجابة :

يؤكد تويبني ان هناك علاقة طردية ما بين مستوى التحديات ومستوى الإستجابات فكلما زادت التحديات صعوبة كلما تصاعدت قوة الاستجابات حتى تصل الى ما يسمى (( بالوسيلة الذهبية )) والتي تأتي من خلال الاستجابات الناجحة وشبه الناجحة والفاشلة في مواجهة التحديات التي تعترض طريق النهضة الى ان تهتدي الامة الى الحل النموذجي أو الخلطة السرية التي تقودها بأمان لتحقيق النهضة والحضارة . هذه الوسيلة التي تنقل المشروع نقلة قوية هي ما أطلق عليه (( الوسيلة الذهبية ))

مثال على الوسيلة الذهبية : هو ما فعله نابليون بونابرت في فرنسا بعد قيام الثورة حينما أدخل اساليب الإدارة الحديثة وأنشأ الجامعة لمجابهة التحديات التي كانت تواجهه

أنواع الإستجابات : 

1- استجابات ناجحة : تمر بمراحل هي الصحوة ثم اليقظة ثم النهضة ثم الحضارة
2- استجابات فاشلة : تؤدي الى التخلف والى القابلية للاستعمار

إن الإستمرار في الأخذ بالوسائل المجربة الغير مجدية يمثل الدوران حول النفس بينما لو جربت طرقا جديدا لوصلت الى النهضة يقول روبرت شولر (( أفضل أن أغير رايي وأنجح على أن أستمر على نفس الطريقة وأفشل ))

ما هي عوامل سقوط الحضارات ؟ 

هناك 3 عوامل :

1- ضعف القوة المبدعة : حيث ان المبدعين بعد ان يصلوا للوسيلة الذهبية وينهضوا بالامة يصلوا الى حالة من فقدان الابداع الأمر الذي يؤدي الى تحولهم تلقائيا الى قوة تعسفية تمنع المبدعين الاخرين من العمل حتى لاتنكشف عوراتهم 


2- تخلي الاغلبية عن القلة المبدعة : لان الاغلبية تظل في حيرتها بين القديم والجديد  او تظل متمسكة بالقديم ونتيجة هذا الصراع يحدث الانقسام وضياع وحدة المجتمع ويبدأ الإنهيار 



3- الإنشقاق وضياع وحدة كيان المجتمع 



ان تويبني يقدم لنا مساحة جديدة من التصور قيتكلم عن التحديات ودورها في استفزاز طاقة المجتمع ويقدم لنا نظرية الإنسان المبدع وصراعه مع المجموعة المسيطرة ودور الجماهير في هذا الصراع
ويقدم لنا صورة عن سلوك القيادة بعد نضوب معينها الإبداعي فيصبح مرتكزها مع المخالفين هو القانون والانضباط وما يدخل ضمن هذه المفردات التي لاتتكلم عن المشروع بل تتكلم عن المشروعية ( أحقية القيادة ) وفارق كبير بين الاهتمام بالمشروع وتطويره وبين المشروعية ,فالمشروعية خلقتها ظروف سابقة بينما المشروع حياة متجددة تحتاج الى أدوات مستمرة ونمو دائم 

الاثنين، 27 أغسطس 2012

فلسفة التاريخ ( 3 )


الفصل الثالث ( العصبية عند ابن خلدون )



لقد كان السؤال المحوري عند ابن خلدون وهو يكتب التاريخ هو :
كيف تقوم الدولة ؟ كيف تنهار ؟

والدولة عند ابن خلدون تمر ب 4 مراحل : 

1- طور الاستيلاء على الحكم
2- طور الإستبداد والإنفرادبالسلطة والتنكر للعصبة
3- طور الفراغ والدعة لتحصيل الثمرات وفيه تسود الراحة والطمأنينة
4- طور الهرم والإنقراض بسبب الإسراف والتبذير

ويدور الفكر الخلدوني في الدولة والحضارة على قانون العصبية ( القائمة على الدم أو الدين ) ويعني بها الإلتحام الذي يكون بين الأقارب أو القبائل و العشائر والذي يدفع للمناصرة والمطالبة بالملك والمغالبة في سبيله

وينطبق ذلك على أكثر من مجرد القبيلة التي كانت تتحرك برابطة الدم . فهو ينطبق على الحزب السياسي إذا اجتمعت في أتباعه هذه الصفة وينطبق على الجيش إذا تحول الى حزب سياسي تربطه هذه الرابطة فوجود رابطة تجمع مجموعة من الناس وتدفعهم الى التكتل والتضامن والاحساس بالخطر المشترك والتحرك في مواجهة الأخرين هو المقصود بالعصبية

وفي رأي بن خلدون ان العصبية اذا ما أقترنت بالدين لايقف امامها شيء فالصبغة الدينية تذهب التنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية العرقية وتفرد الوجهة الى الحق 

لكن ما الذي يضعف دور العصبية ؟ مثال الامة الاسلامية لهم أهداف مشتركة وعندهم رابط الدين ..؟


هناك عاملان عند بنخلدون يضعفون دور العصبية :

1- الخضوع والإنقياد 

2- الترف والنعيم 



اما عوامل تعزيز العصبية فهي :

1- وجود عصبية عامة : تتعدى حدود النسب الى الالتحام الاجتماعي والروحي 

2- وقوع الدولة المراد اسقاطها في دور الهرم 




يشير الكاتب الى ان ما يقال عن الدول يقال أيضا عن الجماعات والمؤسسات والأحزاب , حيث ان الجماعت تبدأ بفكرة ثم تبدأ الفتوة تدب في هذه الفكرة وتنموا ثم تصل الى مرحلة الشباب فاذا لم تحقق أهدافها او كانت أهدافها غير واضحة فانها تصاب بالشيخوخة وتهرم
أضف الى ذلك انه في حالة غياب الأهداف الحقيقية فان ذلك يؤدي الى تباعد الأتباع مما يضعف دور العصبية
ان من أخطر الأمور أن يطول الزمن على حركة او تيار دون أن يحقق هدفه 

كيف نضمن عدم الشيخوخة ؟ 

1- ان الحصيلة  التاريخية يجب ان تكون عامل بناء لا هدم وذلكمن خلال استخدام هذا الرصيد في التحفيز على المواصلة واستمرار العطاء
2- ان ضخ دماء جديدة شابة في أي نظام كفيل بان يستمر في حيويته
3- اما وضوح الأهداف وأستمرارية السعي لتحقيقها فهو المحور الرئيسي لمنع التفلت وركون العاملين للدنيا 

فلسفة التاريخ ( 2 )


الفصل الثاني ( فلسفة التاريخ ) 


يعرف الكاتب فلسفة التاريخ على انها ذلك العلم الذي يحاول ان يكشف القوانين الموجهة لحركة المجتمعات

ويعتبر العلامة بن خلدون اول من أستخدم تعبير فلسفة التاريخ حيث قصد بها البعد عن السرد وتسجيل الأحداث  دون ترابط بينها كما قصد بها التعليل للاحداث التاريخية

وكان الفيلسوف فولتير اول من صاغ مصطلح فلسفة التاريخ في القرن الثامن عشر من بين الفلاسفة الاوروبيين

إن هذا العلم مجهول عند الكثيرين ولكنه علم أساسي لصناع النهضة ومتخذي القرار حيث يضع لهم أرضية صلبة ليس فيما يتعلق بالماضي بل فيما يتعلق بالحاضر والمستقبل